كنت مدفوعاً إلى تأدية أمانة طوقت بها عنقي فتاة أسبانية، إذ أبانت عن رغبة في نفسها في التعرف إلى الإسلام عن طريق دعاة أمناء، كتبوا عن هذا الدين على ضوء أبحاث نزيهة، وبأساليب مشوقة، يمكن بعد إمعان النظر أن تكون حافزاً لها في يوم من الأيام إلى اعتناق الإسلام، بعد اقتناعها بوجهة نظر الذي قدموا أبحاثهم على قواعد سليمة من كل الشبهات، التي حاول كثير من المغرضين إلصاقها بالإسلام.
ولم تكن رغبتها هذه وليدة لجو الحديث الذي دار بيني وبينها، ولا تملُّقاً لآرائي المتواضعة حول سمو هذا الدين، و إظهاره أمامها بالمظهر اللائق، وما حسبت أنني أستطيع أن أمتلكها إلى رأيي بعد ما كنت معها متحفظاً إلى حد أنني أشعرتها بأن الديانات السماوية تكاد لا تختلف في عمقها وجوهرها، وكل ما طرأ من خلاف لم يكن منشأه إلا بعض الصور والمظاهر، أو بعض البدع ابتكرها أدعياء الدين وتجاره.
ولم يصل حديثي معها عند هذا الحد حتى بادرتني في إلحاح لتسهيل مهمتها والأخذ بيدها إلى الاتصال بهذه الدراسات، التي أصبحت تشعر أنها في أشد الحاجة إليها. وكم كنت مرتبكاً أمام إلحاحها؛ لأنني وجدت نفسي ملزماً أن أتجنب بها مواطن الزلل، التي تزخر بها نشرات الدعاية الرخيصة، وهنا أيقنت أننا لا نخضع حتى الآن في الدعوة الإسلامية إلى برامج مهيأة.
وكم كنت موفقاً عندما تغلبت على إحراجها لموقفي من طلبها، فاعتذرت لها عن عدم وجود ما يكفيها في هذه الناحية، وفاجأتها في الحين بأن هذا الموضوع يحتاج إلى الأخذ برأي من لهم إلمام كبير بالدراسات الإسلامية، وقلت لها: إن خير من يمكن الاطمئنان إلى توجيهاته وإخلاصه، هو الأستاذ الكبير عبد الله كنون.
ولم يمض عليّ يوم حتى التحقت بمنزل الأستاذ، وفاتحته في الأمر، ولكنه لم يمهلني حتى بدأ يزودني بخير المصادر، وأرشدني إلى أمهات الكتب التي تناولت بالبحث والتمحيص شتى الموضوعات الإسلامية.
ولم أكد أستقي هذه الأخبار حتى شعرت بأنني تغلبت على أثقال هذا العبء الخطير، و أسلمت هذه الأمانة الجليلة إلى يد أقل ما يقال عنها: إنها كانت خير الأدوات لخدمة الإسلام بروح من الإنصاف والنزاهة، وصادق المعرفة، ووفرة الاطلاع.
بعدما أنهيت مهمتي في القيام بهذا الدور الذي أملاه علي واجبي كمسلم، صعب عليّ أن أودع حضرة الأستاذ، دون أن أجره إلى الحديث حول ضعف الوسائل عندنا في خدمة الدعوة الإسلامية، وتسهيل هذه الوسائل حتى تصبح في متناول أيديهم دون أن يرهقهم ذلك عناء البحث، أو بذل المال.
ولقد توصلت إلى هذه الحقيقة المؤلمة عندما وجدت أن جميع المصادر والكتب التي عددها لي الأستاذ كنون، تكاد تكون نادرة، خلا ما يوجد من بعضها في خزانات المكاتب الرسمية للحكومات التي تدعم الثقافة العامة في أطراف العالم، وإذا كان من المصادفة العثور على هذا المستوى من المكاتب التجارية، فإن ثمة كثيراً ما يضعف الرغبة في نفوس ذوي الحاجة إلى الدرس والاطلاع.
وأمام هذا الشكل فإني أرى من واجبي أن أتقدم بروح مشبعة بالغيرة والإخلاص إلى جميع الحكومات الإسلامية، مطالباً إياها بالالتفات إلى تخصيص اعتمادات هامة من ميزانيتها العامة لتهيئ مشروعاً اسع النطاق، لطبع مؤلفات متنوعة تُعنى بالدراسات الإسلامية.
بحيث يمكن توزيعها في شبه نشرات باستمرار وبالمجان، وبذل المساعي في بثها في المحافل والهيئات، مع الاعتناء بالترجمة الصحيحة؛ ليصل صدى الإسلام إلى العقل البشري في صوت سليم ومشوق.
وإلى جانب هذا المجهود، لا يمكن الاستهانة أيضاً بتهييئ طائفة من العلماء الذين يطيقون الصبر على تحمل هذه الأمانة فوق ظهورهم، ساعين بها إلى حيث تغزو هذه الدعوة جميع القلوب، وتتمكن من نفوس ذوي العزيمة في تلقي التعاليم التي تأبى إلا أن يسعد العالم في ظل من الرفاهية والإخاء والوئام.
الكاتب: عبد الله الخطيب
المصدر : موقع رسالة الإسلام